ألعاب الكازينو بين المتعة والتحريم

يوسف jose L
مال وأعمال
يوسف jose L3 نوفمبر 2017آخر تحديث : الجمعة 3 نوفمبر 2017 - 12:34 مساءً
ألعاب الكازينو بين المتعة والتحريم

لم يعد انتشار ألعاب المراهنة قاصرا على أرض الواقع، فقد امتدت لتصل إلى عالم الانترنت السحيق، وتقتحم المنازل والبيوت؛ لتغزو عقول المستخدمين، وتمنحهم الإثارة والمتعة الزائلة، والتي سرعان ما تدفع بهم في بحر عميق من الإدمان والمواظبة على ممارسة تلك الألعاب التي تسلبهم أموالهم، وعقولهم، وهذا ما أكده جاري بور مدير معهد أبحاث العائلة الأمريكي حين قدم تقريره عن مكائن القمار، والمال السهل التي تحصده وتعطيه، وجاء فيه: أن المال هو الهدف الوحيد الذي يسعى له المجتمع، وفي سبيله يمكن فتح كل النوافذ المظلمة والأبواب العفنة، والمال هو الإله الذي تعبده أمريكا اليوم، وفي حضرته تذبح كل القرابين، وتضحي بكل المبادئ من أجله حتى لو كان مالا قذرا كمال القمار. المهم هو أن تمتلئ الجيوب والأرصدة بالأموال، ولا يهم إذا كان هذا المال يدمر أسرا ويجلب عارا؛ لأن بريق ذهب الميسر ذهب بعقول المنتفعين منه، ومروجيه، ولم يأتي السيد جاري بجديد، فقد حرم الإسلام المراهنات منذ قرون لما لها من أثار سلبية على الأسرة والمجتمع.

تاريخ ألعاب الكازينو:

كلمة كازينو هي كلمة ايطالية الأصل، وتعني الفيلا الصغيرة أو النادي الاجتماعي، وجاء هذا المصطلح ليعبر عن البيت الذي يستضيف الأنشطة الممتعة بين جنابته كالرقص أو القمار، أو الرياضة، أو الغناء، وغيرها من وسائل التسلية والمتعة غير المشروطة.

والأصل الدقيق للقمار غير معروف، متى بدأ؟ أين كان؟ ولكنه ظهر في كل المجتمعات التي وجدت على مر التاريخ من اليونان القديمة والرومان إلى فرنسا، وانجلترا حتى وصل إلى قلب الدول العربية، ومن أوائل بيوت القمار في أوربا “الريدوتو”، وقد أنشئ بالبندقية عام 1638م، وتم إغلاقه عام 1770 من حكومة المدينة لشعورها أنه تسبب بإفقار الطبقة العليا من المجتمع مما أخل بالهيكل العام للمدينة.

وفي أمريكا لم يكن يطلق على صالات القمار والمراهنة لفظ كازينو، وإنما كان يسمى بالسالوون، واعتاد المسافرون على التردد عليه للحديث والشرب واللعب، وقد تم منع القمار بعد دعوة المصلحون الاجتماعيون بأمريكا وذلك في أوائل القرن العشرين، ولكنه سرعان ما عاد عام 1931 ولاية نيفادا، وتم تشريعه ليصبح أمرا قانونيا يحدث على مرأى ومسمع من الحكومات، وبعدها قامت نيوجيرسي عام 1978 بتشريع القمار في أتلانتيك سيتي ثاني أكبر مدن القمار في أمريكا حاليا.

شروط تصميم الكازينو:

حددت معظم السلطات القضائية حول العالم سن امتلاك الكازينو بأنه لا يقل عن 16 إلى 21 سنة، ويقوم فيه الأفراد بالمراهنة على ألعاب كثيرة تتطلب عنصر المهارة الرقمي ك البوكر والكرابس والباكارات والروليت والبلاك جاك، ومعظم هذه الألعاب تقوم على فرص محددة رياضيا، والأفضلية دائما للكازينو في اقتناصها، فهم يلعبون على القيمة المتوقعة، ويأخذون العمولات، ومن أجل الترويج لسلاحهم الفتاك قد يمنحون اللاعبين بعض الهدايا والكومبس.

أما عن التصميم فحدث ولا حرج، لم يعد الأمر مجرد أربعة جدران وطاولات اللعب وماكينة المقامرة، بل أصبح الأمر عملية ونفسية معقدة تدرس خبايا النفس البشرية وتحاول استمالتها بكافة الطرق، فهناك العديد من العوامل التي تؤثر على ميول المستهلك القمارية غير الرغبة وشهوة المال وتتضمن الأصوات والرائحة والإضاءة، لا تتعجب فهذا ما أكدته عالمة الانثربولوجيا بمعهد ماساتشوستس للتقنية “ناتاشا داو شول” حينما أفصحت عن قرار الإدارة في “silicon gaming” بجعل آلات المقامرة الخاصة بهم ترن بالنغمة C  الجذابة عالميا

كما أن هناك العديد من الدراسات التي قام بها د. ألان هيرش حول تأثير بعض الروائح على المقامرين، واكتشف أن هناك رائحة جذابة لكن مجهولة الهوية تصدرها آلات المقامرة بلاس فيغاس، والتي تتسبب بتوليد 50% من زيادة الأرباح اليومية، وهي رائحة تلعب دورا شبيه بدور العقارات المثيرة للشهوة الجنسية، وتدفع للمقامرة بشكل أكثر عدوانية، وينسب الفضل في نشأة هذه الكازينوهات المدمرة بلاس فيغاس لمصمم الكازينوهات روجر توماس؛ والذي كثر قاعدة تصميم الكازينوهات التقليدية بتقديمه لإضاءة الشمس الطبيعية ورؤية النبات، وهو بهذا ينشد الديموغرافية الأنثوية والراحة النفسية لدى اللاعبين على عكس ما كان متبعا قديما في صالات القمار.

ألعاب الكازينو في الوطن العربي:

على الرغم من تحريم ألعاب المقامرة وتجريمها في الوطن العربي إلا أنها مباحة سرا، فهذه الكازينوهات يملكها كثير من الأثرياء والمتحكمين في اقتصاد الدول، لأن ما تدره عليهم أكبر بكثير مما يدره أي عمل آخر، فأرباح ألعاب الكازينو قد توازي ميزانية دولة بأكملها، وتعد مصر من أكثر البلدان العربية التي تضم عددا من الكازينوهات، فبها ما يربو على 26 كازينو موزعين بين القاهرة والإسكندرية وشرم وطابا، ولعل أكثرهم شهرة كازينو علاء الدين، ويحرم القانون المصري على المصرين ارتياد صالات القمار بينما يبيحه للعرب والأجانب، ولكن هناك من يتحايل على هذا القانون بتزوير هويته أو جواز سفره بهدف المقامرة، فالممنوع دائما ما يكون مرغوبا به، ويمثل وجود هذه الكازينوهات نسبة كبيرة من الضرائب المصرية، حيث تفرض عليهم نسبة 40% من الأرباح.

أما لبنان، فبها أحد أهم كازينوهات الشرق الأوسط، وهو كازينو لبنان الذي فتح أبوابه للعب عام 1959، وكان نقطة تجمع أثرياء العالم حينها، ولكن تدهورت أحواله خلال الحرب اللبنانية بمنتصف السبعينات، وأقفل حتى تم ترميمه وافتتاحه في مشارف 1996، وظل حتى وقتنا هذا هو الكازينو الرسمي الوحيد بلبنان، ولكن هناك المئات من صالات المقامرة غير الشرعية.

وبالنسبة لسوريا، فالكازينو الوحيد الذي افتتح بها وظل يستقبل وفود اللاعبين تم إحراقه في الأحداث التي سبقت الحرب السورية عام 2011، حيث أنه تم اقفال ثلاث كازينوهات ذات شهرة عالمية في السبعينات نظرا لضغط رجال الدين مما أدى لحظر القمار، ولكن النظام السوري منح رجل الأعمال خالد حبوباتي ترخيصا لافتتاح كازينو بنفس المكان الذي افتتح به والده من قبل كازينو المطار أثناء فترة حكم حافظ الأسد، وهذا ما أغاظ الشعب السوري الثائر فتم إغلاقه بعد أربعة أشهر من الافتتاح.

أما تونس، فتحتضن ثلاثة كازينوهات، ولكن تدهورت بها الأحوال مع تدهور الأوضاع السياسية وقيام الثورة؛ وذلك بسبب انخفاض عدد السياح المقبلين عليها.

أما المغرب فتضم سبعة كازينوهات، ويقع أكبر كازينو بمدينة الجديدة في منتجع مزاكان، وتقول الإحصاءات أن أكثر من 3 ملايين مغربي يتعاطون القمار أي ما يربو على نسبة الـ 10 % من إجمالي سكان المغرب ينفقون أكثر من 300 مليون دوار كل عام.

وبالنسبة للكويت، فهناك إدمان كبير وضحته الإحصائيات، كما أن الخارجون عن القانون في الكويت لديهم متعة في تبيض الأموال من خلال تشغيلها في هذه الكازينوهات غير الشرعية، وهذا على الرغم من سن وتشريع القانون الكويتي الذي يمنع هذا الأمر، إلا أن المتحايلين على القانون لديهم من الطرق ما يموهون به المجتمع، فقد وجد أن معظم صالات القمار مملوكة لعائلات معروفة ومدارة من الباطن، وهذه الشقق مجهزة تماما لعزل الصوت، وبها أحدث الماكينات في عالم المقامرة، وفي واقعة شهيرة بالسالمية تم القبض على دكتور كويتي و 33 شخصا من جنسيات مختلفة بينهم أمريكي يملك كازينو بالولايات المتحدة، والذي فضح الأمر هو رجل كويتي خسر 700 ألف دولار، وهو مبلغ ضخم يدل على ارتفاع سقف المراهنات ويجعلك تتخيل حجم الأموال التي تضخ في الكازينوهات الكويتية.

أما دبي، أو باريس العرب، فقد تبنت فكرة ذكية للمراهنات ابتعدت فيها عن الماكينات وأصوات الفيش، حيث شرعت في المراهنات الرياضية على سباقات الخيل والجمال، فتلك الهواية العربية له من العشاق كثر، فنحن منبع الفرسان والخيل الأصيل، فلما لا تستغل مدينة عملية مثل دبي هذا الأمر، ونجد هناك مضمار مثل ند الشبا لسباقات الخيل أو مضمار جبل علي، وهذا الأمر إن كان يبدو جيدا، ولكنه ينطوي على شبهة، ويجعلك فريسة سهلة لسماسرة المراهنات وصائدي المراهنين. وهذا لا ينفي عدم وجود صالات المراهنة على ألعاب البوكر والروليت وغيرهم فهناك العديد من الكازينوهات السرية التي تضاهي فخامة كازينوهات لاس فيغاس وأغلبها ينتشر بمنطقة الجميرة.

ولا تخلو الأردن من صالات المراهنة، ولهث السياسيين وراء المال على مدى سنين طويلة، فما بين عامي 2003 و 2008 تفاوض 4 رؤساء حكومات سابقون لإعادة إعمار بعض الكازينوهات، وعلى رأسهم كازينو البحر الميت بطريقة لا تتوافق مع القانون الأردني الذي يدين القمار ويعطي الضحية الحق في استرجاع أموالها التي سقطت على طاولات القمار والتهمتها خزائن الكازينو.

ألعاب الكازينو على الإنترنت:

مع انتشار القوانين التي تجرم ألعاب المقامرة، والقبض على من يعملون فيها بشكل سري، لجأ العديد إلى الإنترنت الذي يعب على الحكومات تقنينه، وإيقاف الجرائم التي تنتشر به لينشئوا عالما خاصا للمقامرة عبر الانترنت من خلال مواقع الربح السريع وألعاب الكازينو أون لاين والتي لاقت رواجا كبيرا في الكثير من بلدان العالم، فهي تمنح الجدد دروسا تعليمية في اللعب، وتجتذب القدماء بالهدايا الربحية حتى تجعلهم معلقين في ذنبها، ولاشك أنها مضيعة للوقت والمال، وتؤثر على الأفراد بشكل سلبي وخطير، فمن الممكن أن تصل إليك وأنت في منزلك، في غرفة نومك، لتخلل عقلك، وتجعلك تتبعها أينما كنت، فلا يهم بعد المسافة. كل ما يهم هو كمية النقود في الحافظة التي لديك.

حظر ألعاب الكازينو

تحظر العديد من دول العالم لعب القمار بمختلف أشكاله لأسباب أخلاقية أو دينية  أو حتى اجتماعية واقتصادية ومنهم : قيرغيزستان  وروسيا واليابان والمملكة العربية السعودية التي تعاقب عليه بشدة بالسجن والتعزيز وفقا لأحكام الشريعة فيما عدا سباقات الخيل والسيارات.

مخاطر ألعاب الكازينو:

كشفت مجموعة من الدراسات المتطورة في كافة المجالات أن القمار يمكن أن يسبب حالة مرضية تدعى pathological gambling، ويقصد بها إدمان المقامرة، وغالبا ما تصيب ممارسي القمار في سن المراهقة وتستمر معهم بتقدم العمر، وهناك دراسة تؤكد أن ممارسي المقامرة والمواظبين على ألعاب الكازينو غالبا ما يعانون من الإحباط، وتتسم حياتهم بالسلبية ويصبحون عرضه أكثر لاجتماع العلل.

كما أثبتت الدراسات أيضا عدم انتظام إفراز هرمون الدوبامين في دماغ الشخص المقامر نتيجة لخوفه الدائم من الفشل وخسارة الأموال، وهذا يؤثر على نفسيته بشكل كبير، فالدوبامين يلعب دورا رئيسيا في الإحساس بالسعادة، وهناك ما يشير إلى ارتفاع نسبة الأمراض النفسية بين المقامرين .

أما بالنسبة لمخاطر ألعاب الكازينو والمراهنات على المجتمع، فهي مخاطر لا يمكن إهمالها وعدم النظر إليها أو تجاهلها، ومنها الإفلاس وتراكم الديون والفقر، وقد يصل الأمر للحبس لعدم استيفاء الديون، بالإضافة لارتفاع نسبة الجرائم والقتل من أجل الحصول على مال المقامرة، وبالتالي تفكك الأسر وزيادة معدلات الطلاق ناهيك عن ضياع الوقت فيما لا يفيد.

الخلاصة :

لا خير في شيء فيه ضرر، وألعاب الكازينو مهما كانت مسلية وممتعة، فهي ضارة ومصائبها لا تغني ولا تسمن من جوع، وهناك العديد من البدائل التي يمكن فعلها للتسلية والترويح عن النفس دون تكبد الخسائر، وضياع الأسر، كممارسة الرياضة وألعاب الذكاء التي لا تعتمد على المرابحات المالية، والفصل بين اللعب للمتعة وإدمان اللعب لأن في هذا الأخير وباء لا يمكن الإقلاع عنه بسهولة، ولعل قسوة التشريعات هي ما سيقنن الأمر بالتنسيق مع دول العالم.

بقلم: يوسف لكليتي L VYK

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.